Sunday, January 11, 2015

الأ رملة و ابنها



الأ رملة و ابنها
هجم اليل مسرعا على شمالي لبنان متغلبا على نهار تساقطت فيه الثلوج على تلك القرى المحيط بوادي قاديشا، جاعلة تلك الحقول والهضاب صفحة بيضاء ترسم عليها الرياح خطوطا تمحوها الرياح، وتتلاعب بها العواصف مازجة الجو الغضوب بالطبيعة الهائلة.
اختبأ الانسان في منازله والحيوان في مرابضه وسكنت حركة كل ذي نسمة حية. ولم يبق غير برد قارس وزمهرير هائج وليل أسود مخيف وموت قوي مريع.
وكان في منزل منفرد بين تلك القرى امرأة جالسة امام موقد تنسج الصوف رداء وبقربها وحيدها ينظر تارة الى أشعة النار، وطورا الى وجه أمه الهادئ. في تلك الساعة عصفت الرياح بشدة وهزت أركان ذلك البيت فذعر الصبي واقترب من أمه محتميا بحنوها من غضب العناصر. فضمته الى صدرها وقبلته ثم أجلسته على ركبتيها وقالت " لا تجزع يا بني " فالطبيعة تريد أن تعظ الانسان مظهرة عظمتها تجاه صغره ،وقوتها بجانب ضعفه. لاتخف يا ولدي، فمن وراء الثوج المتساقط والغيوم المتلبدة والرياح العاصفة روح قدوس كلي عالم بما تحتاج اليه الحقول والآ كام. من وراء كل شيئ قوة ناظرة الى حقارة الا نسان بعين الشفقة والرحمة. لاتجزع، يافلذة كبدي، فالطبيعة التي ابتسمت في الربيع وضحكت في الصيف وتأوهت في الخريف تريد ان تبكي الآن ، ومن دموعها الباردة تستفي الحياة. نم يا ولدي، ففي الغد تستيقظ وترى السماء صافية، والحقول لابسة رداء الثلج الناصع مثلما ترتدي النفس ثوب الطهربعيد مصارعة الموت . نم يا وحيدي، فوالدك ناظر الآن الينا من مسارح الأبدية ، وحبذا عاصفة وثلوج تقربنا من ذكر تلك النفوس الخالدة. نم يا حبيبي، فمن هذه العناصب المتحاربة بعنف سوف تجني الأزهار الجميلة عندما يجيئ نيسان. كذا الانسان يا ابني ، لايستثمر المحبة الا بعد بعاد أليم وصبر مرّ. نم يا صغيري، فسوف تأتيء الأحلام العذبة الى نفسك غير خائفة من هيبة الليل وبطش البرد"
ونظر الصبي الى أمه وقد كحل النعاس عينيه وقال: " لقد أثقل أجفاني الكرى يا أماه وأخاف أن أنام قبل تلاوة الصلاة" فعانقته الحنون ونظرت من وراء الدموع الى وجهه الملائكي ثم قالت " قل معي يا ولدي : أشفق يا رب على الفقراء وارحمهم من قساوة البرد القارس واستر جسومهم العارية بيدك.
انظر الى اليتامى  النائمين  في الأكواخ وأنفاس الثلج تكلم أجسامهم.  اسمع يا رب نداء الأرامل القائمات في الشوارع بين مخارب الموت وأظفار البرد. امدد يدك يارب الى قلب الغني وافتح بصيرته ليرى فاقة الضعفاء المظلومين.ارفق يا رب بالجائعين الوافقين أمام الأبوا ب في هذا الليل الظلوم واهد الغرباء الى المآوي الدافئة وارحم غربتهم . انظريا رب الى العصافير الصغيرة واحفظ بيمينك الأشجار الخائفة من قساوة الرياح....ليكن هذا يا رب"
ولما عانق الكرى نفس الصبي مددته والدته على فراشه وقبلت جبهته بشفتين مر تجفتين ، ثم رجعت وجلست أمام الموقد تنسج له الصوف رداء.

No comments:

Post a Comment