Wednesday, January 15, 2014

جيلنا وجيلكم



جيلنا وجيلكم (4)
أي بنيّ.
لعل أهم ما يتميز به جيلكم عن جيلنا هو حيرتكم واطمئناننا ، وضطرابكم وسكينتنا ، وقللكم واستقرارنا. ولكن ما سرّ هذه الحيرة وهذا القلق والا ضطراب في جيلكم؟
لقد كان المظنون أن تكونوا أسعد حالا وأهدأ بالا وأكثر اغتباطا بالحياة. فان المدنية الحديثة قدمت الى جيلكم من متع الحياة وترف العيش ووسائل الترفيه عن النفس أضعاف أضعاف ماكنا نجده في جيلنا. فلم يكن عندنا راديو، ولا سينما ، ولا تمثيل، ولاسفور، ولاموسيقي ،ولا رقص . كالذي لكم في زمانكم.ولم يكن يتدفق المال علينا كما تدفق عليكم ، ولا اتصلنا بالعالم وما فيه من لذائذ مثل اتصالكم ، بل ولانعمنا  بالحرمة كما نعمتم، ولا حققنا أنفسنا كما حققتم. فما الذي حيركم؟
لعل أهم ما حيركم وطمأننا أننا كنا نركن الى مبادئ وعقائد نؤمن بها كل الايمان، ونسير عليها في حياتنا من غير شك، ونشجع السير عليها كل التشجيع ، ونحتقر من خرج عليها كل التحقير. فكانت أعمالنا تصدر عنا كما يصدر العمل عن عادة، ليس يحتاج الإتيان به الى روية ولا تفكير. ثم أتى جيلكم – خضوعا للمدنية الحديثة- فقضى على هذه المبادئ والعقائد والعادات والتقاليد ، ولم ينشئ مكانها ما يسد مسدها. فكان من ذلك فراغ لم يملأ، ومبادئ زالت ولم تعوض. وعقائد تهدمت ولم يبن مكانها. والطبيعة تكره الفراغ، وتكره السير على غير هدى وتكره الهدم من غيربنيان ، فكانت الحيرة والقلق والاضطراب.
قد كانت السلوة الكبرى للناس في جيلنا دينهم . فكانوا يؤمنون بالله ،يعرفونه في الرخاء ويلجأون اليه في الضرّاء والسرّاء فيجدون في ذلك راحة من عناء، وعونا على الخير ،وصيانة من الشر. فلما نبت جيلكم وازدهر شبابكم عصفت عليه عاصفة من المدنية الحديثة ،فذهبت بدينكم ، وجردتكم من عقيد تكم . فلم تجدوا أرضا ترتكزون عليها ولاركنا شديدا تأوون اليه.
والأنس بالدين طبيعة النفس وراحة الروح ،اذاسلبت من تأنس به أحسست با لوحشة وتملمت من الفراق. ان الناس يعدون الحواس خمسا، ولكني أعتقد أن هناك في كل انسان حاسة سادسة هي حاسة الدين . من فقتدها فقد عنصرا من عناصره، وركنا عظيما من أركان حياته ، ولذلك هدأ المؤمن واضطرب الملحد. وهذا هو الشأن في الشرق والغرب، والمدينة  القديمة والمدينة الحديثة .
لقد مر على العالم الغربي نحو قرنين ، آمن الناس فيها بالعلم كل الايمان ، واعتقدوا أن النظم السيا سية والاقتصادية قادرة على إسعاد العالم . فلما تقدم  العلم وتقدمت النظم السياسية  والاقتصادية ولم يروا سعادة، بل شقاء تلو شقاء، وحربا هائلة بعد حرب فاجعة، بدأ يتزلزل إيمانهم بأن العلم وحده كاف لإسعاد الناس . وأيقن كثير من العلماء بأن العلم في حاجة الى الدين ، وأن العقل في حاجة الى القلب ، وأن المنطق في حاجة الى الحكمة .
أي بني.
ان الايمان بالله يملأ فراغ النفس، ويوحي بالطمأنينة، ويؤثق الصلة بين  الفرد وأهله و وطنه ، كما يوثق الصلة بينهم جميعا وبين الله.
فنصحتي لك أن تؤمن ولو ألحد الناس وتوثق الصلة بينك وبين الله ولو قطعها الناس.
أي بني.
وشئ آخر أحب أن أقصه عليك كان سببا في حيرة جيلك واضطرابه ،ذلك أنكم لما فقدتم الدين لم تد خلوا الآخرة في حساب الحياة كما يتطلب الدين ، وعشتم للدنيا وحدها من غير نظر الى ثواب ولاعقاب. فنشأ عن ذ لك مرض خطير شر مستطير زاد في حيرتكم  وقلقكم . وهذا هو ما ألمحه فيكم من أنانية مفرطة وأثرة جامحة.
اني لأشعر أن كل فرد منكم يريد أن يعيش لنفسه فقط. فهو في أسرته يريد أن ينال أكبر حظ من اللذة وأقل حظ من الألم . حتي لو استطاع أن يستولي على ميزانية البيت كلها ويترك أهله يتضورون جوعا لفعل. وهوفي حياته  الخارجية  يجري وراء شهوته ولذته مهما كانت العاقبة، ولوآذى أهله ولوآذى وطنه.
وهو اذا وظف بحث عن الترقية من أي سبيل شريف أو خسيس. بل وقد تضطره أنا نيته الى أن يمد يده .ثم هو لايشعر بمسؤلية نحو أهله ولانحو وطنه ولاأصحاب المصالح الذ ين يترد دون على بابه. انما يبحث عما يسد شهوته ويملأ أنا نيته .

No comments:

Post a Comment